الأربعاء، 16 مايو 2012

أهوار ميسان تنحسر وسكانها ينزحون باتجاه المدن

ميسان/ جريدة المدى
مساحات شاسعة من المياه والغابات بامتداد الأفق من نباتات البردي والقصب التي تقتات عليها قطعان الجاموس.. بيئة غنية حافلة بمختلف أنواع الطيور المستوطنة والمهاجرة وثروة سمكية وفيرة .. تلك هي صورة أهوار ميسان قبل أن تحيلها برامج الخراب التي اختطها النظام السابق إلى مناطق بائسة تتدهور عاماً إثر عام، باتجاه التصحر.
حيث قام النظام المباد بتقطيع أوصالها  بالسدود الترابية ومن ثم تجفيف مساحات كبيرة منها تحت ذرائع وحجج شتى فهجّر سكانها ودمّر بيئة المنطقة التي ظلت محافظة على ديمومة عافيتها  قبل ذلك من آلاف السنين، وكانت تشكل معلما فريدا ورائعا ضمن جغرافية المنطقة. ورغم مرور نحو عقد منذ سقوط النظام  واستحداث وزارة لإنعاش الأهوار بعد ذلك ولكن واقع حال الأهوار لم يتحسن فكثير من روافد انهار العمارة القادمة من الجانب الإيراني  جفت إثر إقدام الأخيرة على إقامة السدود عليها وتحويل مسارها إلى الداخل الإيراني كما أن تواصل شح نهر دجلة وتفرعاتها التي كانت تؤمن جزءا من حاجة الأهوار للمياه مع مواسم الجفاف المتعاقبة وانعدام الأمطار كل هذه أسهمت في تراجع مساحات كبيرة من المسطحات المائية والحق أضرارا فادحة بالتنوع الإحيائي وتدهور الثروة السمكية مصدر الرزق الأول لسكانها ما اضطر غالبيتهم إلى الهجرة أو النزوح باتجاه المدن والقصبات .
أحلام وإحباط

ورغم كل ذاك فإن أحلام العودة للأهوار ما زالت تراود النازحين عنها برغم شعورهم بالإحباط من هزالة البرامج الحكومية لإنقاذها من الجفاف، ويقول المواطن أبو موزان وهو أحد سكنة الأهوار النازحين إلى قضاء الكحلاء المحاذي لهور أم النعاج  أن الحنين للهور حيث عاش سنوات طفولته وشبابه هناك ما زال يجري في عروقه،  واصفاً لـ"لمدى" حياته الجديدة في دار ضمن احد أحياء القضاء بأنها أشبه بالعيش داخل قبر، مضيفا انه  "يشعر بالاختناق في المدينة" رغم انه نزح إلى هنا منذ منتصف التسعينيات بعد حملة التجفيف التي طالت مساحة واسعة من الهور الذي ولد وعاش وتزوج وأنجب فيه أولاده الخمسة الذين امتهنوا حِرفا متنوعة في المدينة بعد ذلك واستقروا هنا. ويستذكر أبو موزان  بلهجته الجنوبية المميزة الحافلة بمفردات يتطلب فهمها شرحا ما وصفها بأيام الخير هناك، حيث كان الهور يوفر له وللكثير من عوائل أبناء عشيرته والعشائر الأخرى  من القاطنين في هور أم النعاج جميع مستلزمات العيش من حيث " توفر أسماك  البني والكطان والشبوط والسمتي إضافة  لطيور البط والحذاف والخضيري والهربان وغيرها من الطيور التي تقضي شهور الشتاء هنا قادمة من أقاصي شمال الأرض، كما كانت تربية الجاموس مزدهرة"، مشيرا إلى أن كل ذلك الخير كان يوفر قوت السكان ويؤمن لهم حياة جيدة رغم افتقارهم للخدمات الأساسية أيام ذاك من جهة المدارس أو المراكز الصحية وشبكات المواصلات حيث كانوا يواجهون صعوبات جمة في الحصول على التعليم أو العلاج .
ويؤكد أبو موزان أنه لم يتلمس خلال زياراته المتباعدة لهور ام النعاج أي تحسن يذكر بل أسهب في حديثه لـ"لمدى" عن تردي واقع الحياة هناك حاليا، حيث يكاد الهور يخلو من السكان كما انحسرت المياه كثيرا وافتقدت الكثير من أنواع الأسماك والنباتات، كما يندر أن ترى بعض الطيور المهاجرة التي كانت المنطقة  تجتذب أسرابها التي تضم ملايين الطيور بحسب وصفه.
السكان متذمرون من الإهمال الحكومي
ما تبقى من سكان الأهوار على قلتهم شكوا بدورهم تردي واقع الأهوار الذي وصفوه بالإهمال الحكومي تجاههم، حيث قال المواطن سلمان صاحب  من سكنة حافات هور الحويزة: إن سكان الأهوار قدموا الكثير من التضحيات وتعرضوا للمضايقات وحملات الاعتقال والتهجير من قبل النظام السابق بسبب احتضانهم لمجاميع من المعارضين للنظام الذين لجأوا لمناطق الأهوار، وأكد صاحب لـ"لمدى" أن غالبية أهالي الأهوار احتضنوا رجال المعارضة وقدموا لهم التسهيلات والطعام والحماية .. مسترسلا بالقول "بعدما ولى صدام وصاروا ربعنا المجاهدين بالسلطة  كلنا هسة يذكرونا ويردولنا الجميل ويهتمون بينا بس مع الأسف الكراسي تغير الناس ،صحيح البعض استفادوا بس ذوله كلهم من أقارب المسؤولين لو عدهم معارف واصلين وإحنا ظلينا على حالنا الأولي"، وعن زيارات المسؤولين الحكوميين ومنظمات المجتمع المدني لمناطقهم وصفها صاحب بـ(القشمرة ) مضيفا "عمي ملينا من الوعود يا هو الي يجينا  يكول حقكم وراح نسوي كذا وكذا بس من توصل للفعل كلشي ما كو والوعود هواء في شبك  والظاهر هذولة  يجون للونسة.. عمي  ملينا من الحجي وما كو فايدة".
صاحب أكد لـ"لمدى" أن  شح المياه بشكل كارثي في هور الحويزة بجزئه العراقي تسبب بتدهور الثروة السمكية واختفاء الكثير من أنواعها المشهورة ما يدفع البعض من صيادي الأسماك الى  التسلل خلسة نحو الجانب الإيراني من الهور للصيد هناك برغم المخاطر حيث تكررت حالات إلقاء القبض على بعض الصيادين من قبل حرس الحدود الإيرانية ومن ثم إطلاق سراحهم بعد فترة  قد تطول لأسابيع .
مشاريع إنعاش الأهوار نفذت على اليابسة في المدن
إلى ذلك، طالب بعض سكان الأهوار التي جفت وتلك التي توشك على الجفاف بسبب شح المياه، الجهات الحكومية بتحويل بعض تلك المساحات إلى أرض زراعية وتوزيعها عليهم وتأمين المياه اللازمة للسقي ويشرح محمد عليوي من سكنة هور الحويزة: إن مياه السقي يمكن تأمينها عبر شق الجداول أو حفر الآبار، أما تأمين المياه لإنعاش الهور فهي مسألة ربما أصبحت مستحيلة في ظل تراجع مناسيب الأنهار العراقية المغذية للهور، وقيام الجانب الإيراني بتحويل مسارات المغذيات الأخرى الى الداخل الإيراني . وتساءل عليوي عن فائدة سكان الأهوار من المشاريع التي تنفذ باسم إنعاش الأهوار، متابعا "كل المشاريع المنفذة عبارة عن مدارس ومراكز صحية ومجمعات مياه شرب ولكن غالبيتها نفذت في المدن والقصبات وليس في داخل مناطق الأهوار بحجة تراجع أعداد السكان ونزوحهم للقصبات وكان الأجدر بالمعنيين أن يؤمنوا المياه أولا ويلزموا الدول المجاورة بإطلاق حصة اهوارنا من المياه ".
الأهوار تعيش كارثة الجفاف
وفيما طالب رئيس لجنة إنعاش الأهوار في مجلس محافظة ميسان الجهات المعنية في وزارات البيئة والموارد المائية والزراعة والثقافة وهيئة السياحة والآثار بإيلاء ملف الأهوار اهتماما أكبر والعمل على إرساء وتفعيل الخطط والبرامج الكفيلة بإنعاشها، شدد جاسب كاظم حمدان على ضرورة التواصل الجاد مع المنظمات الدولية المعنية "بغية إدراج مناطق الأهوار ضمن البحيرات والمسطحات المائية التراثية لمنظمة اليونسكو بما يلزم الدول المجاورة التي تتحكم بمنابع ومغذيات الأنهار، بتأمين  الحصص المائية لمناطق الأهوار التي تتعرض للجفاف بسبب شح المياه".
مدير شعبة النظم البيئية الطبيعية في مديرية بيئة ميسان محمد خضر عباس، من جهته وصف لـ"لمدى"  الواقع البيئي للأهوار بالكارثي، مبينا " أن منسوب مياه هور العظيم الذي كان بمقدار 6 أمتار في عام 2005،  تراجع اليوم إلى مستوى لا يتجاوز الـ 40 سم، كما أن بركة ام النعاج التي كان عمق المياه فيها لغاية العام 2008، يتراوح ما بين 4 – 5 أمتار، تراجع هذا العام إلى نحو 1 متر"، واستدرك عباس "الأهوار مرتبطة بعضها بالآخر بجداول التصريف، وأي تأثير يصيب أحدها يؤثر في البقية فمثلا هور الحويزة وبضمنه هور العظيم كان يستمد 80% من مياهه من الجانب الإيراني، الذي قام بسد جميع المغذيات، وبالتالي انخفض منسوبه ومناسيب بقية المسطحات المائية المرتبطة".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق