الخميس، 26 أبريل 2012

مضيف القصب السومري احد مرتكزات الثقافة في الاهوار

احمد محمد – الجبايش – جريدة الصباح الجديد
فنيسيا العراق او بندقية الشرق هذا ما يطلق على مدينة الجبايش، 70 كيلو متر شرق الناصرية، لما تتمتع به من وجه تشابه كبير بينها وبين تلك المدينة الايطالية، حيث القرى العائمة على المياه الاهوار التي تعلوها المناظر الساحرة لمضايف ذات الطراز المعماري الفريد المصنوعة من القصب بلونه الذهبي الساحر وصور انعكاسه على الماء الصافي، واعتماد سكان المحليين الذين يسمون بـ"المعدان" على زوارق في تنقلهم وترحالهم.

ويقول جاسم الاسدي الناشط البيئي ان "المضايف المصنوعة من القصب ترجع اصولها الى فن المعماري للحضارة السومرية والذي يعتبر من احد المرتكزات الثقافة الاهوارية"، حيث وجدت في مدينة اور التاريخية على رقم طينية واختام اسطوانية ترجع تاريخها الى اكثر من 3000 سنة تحمل نقوش مماثلة لهذه المضايف.
بيت القصب لم يمت
ووضح ان السومرين استطاعوا من تصميمها على طرق هندسية محددة مستغلين بذلك طبيعة وجغرافية المنطقة، حيث يتم بناءها جميعا بتجاه من الشمال الغربي الى الجنوب الشرقي، وذلك لكون هبوب الرياح هناك غالبا ما تكون شمالية غربية، فيدخل الهواء الى المضيف عبر احد البوابات او الفتحات القصبية الموجودة في الجدار ويخرج من طرف الاخر، فيحدث عملية "تبريد طبيعي للمكان" ويشعر الجالس فيه بحرارة اقل من الجالس في البناء الحديث المبني من الطابوق والسمنت.
ويتميز المضايف بشكلها المقوس المدعوم بحزم كبيرة من القصب ويحتوي على فتحتين من الجانبين لدخول الناس والهواء الى داخله، ويصنع بشكل كامل من النباتات القصب والبردي التي تدعم وتربط بحبال.
واضاف الاسدي ان "الفراعنة بنوا الاهرامات ولكنها ماتت وظيفتها بموت الفراعنة، الا ان المضيف القصبي لم يمت بموت السومريون"، مشيرا الى استمرار وظيفته واصبح جزء لا يتجزاء من تاريخ وحياة سكان المنطقة الذين هم برائيه "خليط مابين سكان الاصليين السومريين والاكديين وسكان القادمين من شبه الجزيرة العربية".
التجفيف يعني الدمار
وقل الاعداد مثل هذه المضايف في السنوات العشرين الاخيرة، بينما يندر وجود القرى العائمة في الوقت الحاضر، نتيجة لعمليات تجفيف الاهوار التي ادت الى هجرة اغلب سكانها منها وتدمير البيئة المائية هناك، اضافة الى انهيار نظام الاقتصادي في تربية الجاموس وصيد الاسماك والطيور المعتمد على وفرة المياه.
وذكر "تم تدمير اكثر من 47 قرية عدد كبير منها عائمة على الماء في الاهوار تابعة لقضاء الجبايش فقط، عندما تعرضت لعمليات الدمار والتجفيف كبيرة عام 1991"، واضاف الى ذلك تعرضت العديد من القرى في اهوار محافظات البصرة وميسان وباقي المدن محافظة ذي قار الى "نفس المصير من التدمير".
حيث قام نظام السابق بعملية واسعة لتجفيف الاهوار والمستنقعات جنوب العراق عام 1991، وذلك بنشاء سدود على الروافد والمصادر المياه المغذية الى تلك الاهوار، اضافة الى ذلك تقطيع اوصالها بسدود ترابية وانشاء شبكة من الطرق المعبدة فيها، وذلك لتسهيل العمليات العسكرية التي قام بها النظام انذاك ضد السكان المحلين.
عودة الاهوار
وبين الناشط البيئي اسباب التي حالت دون عودة سكان تلك القرى الى الاهوار بعد اعادتها 2003 الى "عدم عودة السكان للاستيطان داخل الاهوار، ولكنهم عادوا الى مراكز المدن المحيطة بها مثل الجبايش والمدينة والحمار والفهود وناحية الخير وغيرها لوجود المدارس والمستشفيات والخدمات، وسبب الثاني قلة منسوب مياه الاهوار"، واضاف تحتاج القرى العائمة الى منسوب يصل الى مترين لكي تبنى، بينما منسوب مياه في الوقت الحاضر "لا يزيد عن 60 سم في البركة البغدادية."
واشار الى ان عودة الاهوار الان بنسب متفاوتة تصل نسبتها من 30% الى 45% الى ما كانت عليه سابقا قبل التجفيف، حيث كانت مدينة الجبايش في سبعينات القرن ماضي "تتكون من 1400 جزيرة وليس كما هو حال المدينة الان"، وكان احد وسائل الانتقال فيها عن طريق الزوارق التي تسمى محليا بـ "مشحوف."
واقترحت منظمة بيئة العراق التي يدير مكتبها في الجبايش الاسدي على الجهات المسؤولة انشاء قرى اهوارية مستوحاء من الهندسة المضيف ووضعت لها المخططات لعادة السكان الى داخل الاهوار، ولكن لم يتم الاخذ بها.
استخدام المواد الرخيصة المتوفرة
وقال علي الربيعي المهندس معماري ان "سكان الاهوار استطاعوا استغلال الموارد الطبيعية الرخيصة لبناء مساكنهم مثل القصب المتوفر بكثرة في بيئتهم"، والتي اثبتت برائيه نجاحا في سد احتاجاتهم مع مختلف الظروف.
واضاف الى ذلك انهم استطاعوا ان يستغلوا ذلك في بناء جزر اصطناعية عائمة فوق مياه الاهوار لبناء مساكنهم واماكن لراحة الصيادين والتي تسمى "الجباشة"، وذلك برص نبات القصب بعضها فوق بعض مع مزجها بتراب الى ان يصبح لديهم ارض صلبة عائمة فوق الماء.  
حيث ان نباتات القصب والبردي تنمو وبصورة طبيعية واعداد كبيرة في الاهوار، ويستغله السكان المحليون في بناء مساكنهم وصناعة ادواتهم مثل الحصير وبعض السلال تربية الطيور وخزن الحبوب.
كثرة التقاط الصور التذكارية في المضيف
ويذكر حميد الاسدي (32) عاما ان "كثير ما ياتي السياح من مختلف محافظات العراق والعيد من دول العالم ليلتقطوا صورا تذكارية لهم في هذه المضايف"، معلل سبب انها تذكر الناس بحضارة السومرية بعتبارها مزيجا مابين الابنية الحضارية وطراز الريفي.
موضحا ان سياح من جنسيات عديدة زارت الاهوار بعد عام 2003 منها الايطالية والهولندية والبرطانية والامريكية واليابانية وغيرها، وغالبا ما تقوم الجامعات والمدارس بتسير سفرات لطلبتها الى مدينة الجبايش.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق