الأحد، 11 أغسطس 2013

حول سد اليسو على نهر دجلة

بقلم جاسم الاسدي - مهندس استشاري / وكالة براثا
حكمت شورى الدولة في تركيا في السابع من كانون الثاني 2013 لصالح الدعوى القانونية التي اقامتھا غرفة المهندسيين والتشكليين التركية ضد اقامة مشروع سد اليسو وامرت المحكمة بالايقاف الفوري للعمل في ھذا السد المثير للجدل والمزمع اقامته في جنوب تركيا بمسافة 65 كم عن الحدود العراقية.
وخلصت شورى الدولة الى ان سد اليسو على نھر دجلة قد بدأ من دون تقديم دراسة لتقييم الاثر البيئي للمشروع والتي ينص القانون على تقديمها قبل العمل بالمشاريع ويعتبر ذلك انتھاكا صريحا لقانون البيئة التركي النافذ والتعليمات الخاصة بتقييم الاثر البيئي.
ان سد اليسو الضخم الذي بدأ انشاؤه على نھر دجلة قد جذب الكثير من الجدل العالمي لانه سيتسبب بأغراق مدينة حسنكييف التاريخية التي يعود تاريخھا الى اكثر من 12000 سنة وتعتبر منطقة تنطبق عليھا تسعة من اصل عشرة معايير لليونسكو لكي تكون موقعا للتراث العالمي، لكن الحكومة التركية استمرت برفض ترشيحھا لليونسكو وتعھدت بحمايتھا لكونھا ستعيق خطط العمل في السد.
لقد انتھى العمل من تخطيط مشروع السد في الثمانينيات لكنه جوبه برد فعل قوي من المجتمعات المحلية والمنظمات البيئية والثقافية ومنظمات حقوق الانسان والاروقة الاكاديمية والعلمية والمشاھير في تركيا والعالم. في العام 2009 قامت ثلاث وكالات ضمان اوربية مانحة بالانسحاب من المشروع جراء اخفاق الحكومة التركية في الايفاء بالمعايير الدولية لحماية الطبيعة والثقافة والحقوق الخاصة باكثر من 25000 نسمة سيتعرضون للتھجير بسبب المشروع.
ھذه ھي المرة الثانية التي تخسر فيھا الحكومة التركية دعوى قانونية ضد سد اليسو امام مجلس شورى الدولة.
في عام 2011 كانت شورى الدولة قد رفضت محاولة الحكومة تجاوز للوائح الخاصة بتقييم الاثر البيئي. ثم تقدمت الحكومة التركية بلوائح جديدة تعفي المشروع من التزامھا باعداد دراسة لتقييم الاثر البيئي في محاولة للالتفاف على الحكم الصادر. كما نشر مكتب رئيس الوزراء التركي اوامر خاصة باجازة كافة الاعمال المتعلقة بالبنى التحتية في المشروع من طرق وجسور وكھرباء وغير ذلك والمضي بالمشروع قدما من دون تقديم تقييم للاثر البيئي.
قامت غرفة المھندسين والتشكيليين التركية بمناھضة تصرفات الحكومة في السنة الماضية عن طريق عرض القضية على شورى الدولة للمرة الثانية. يعتبر رفض المشروع من شورى الدولة منعشا لامال المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية التي جاھدت بكل قواھا لايقاف المشروع.
تستطيع الحكومة الاستئناف ضد قرار شورى الدولة خلال سبعة أيام او قد تلجأ الحكومة الى تمرير قانون جديد للالتفاف على القرار.
يقول انجن يلمز مدير المجلس التركي للطيور: “لقد ثبت من تصرفات الحكومة انه من المستحيل بناء السد اذا ما اخذنا القانون النافذ بنظر الاعتبار ولكن الحكومة حاولت تمرير قوانين جديدة والالتفاف على قوانين الحماية البيئية من اجل بناء السد بأي ثمن. العالم يراقب ھذه المرة ولا بد من تعزيز الحكم الصادر من اجل صالح الطبيعة والارث الثقافي والحضاري ويجب الغاء المشروع واعلان المنطقة موقعا للتراث العالمي”.
من المؤكد أن دوافع بناء السد جيوسياسية بالدرجة الأولى ،وهي ستؤثر كثيرا على الوضع المائي في العراق.
يقع سد أليسو في جنوب الأناضول في تركيا ويبعد 65 كيلو متر عن الحدود السورية العراقية ، السد من الناحية التصميمية بارتفاع 135 متر وطول 1820 متر ومساحة سطحية 313 كم مربع , ويولد 1200 ميغاواط من الطاقة الكهربائية تقدر كلفة إنشاءه بملياري يورو وانجازه بثماني سنوات.
ابتدأت الأعمال الأولية في السد عام 2008 بتمويل متعدد الجهات (بريطانيا،ألمانيا،النمسا،ايطاليا والسويد….الخ)،لكن العمل أوقف عام 2009 لتوقف التمويل الدولي نتيجة ضغوطات دولية قادها الألماني أوولي ودووا وهي منظمة مجتمع مدني تركية مهتمة بالمحافظة على الطبيعة لكن تركيا عازمة على أنشاء السد ولذا ومنذ مطلع عام 2010 عادت وسارعت خطواتها في التنفيذ وبوتيرة عالية وعن طريق شركات تركية ومصادر تمويل مختلفة.
مر أنشاء السد بمراحل متعددة ابتداء من عام 1950 والذي شهد أول قراءة مناقشة للتقرير الخاص بإنشاء وعام 1971 أكملت الدراسة التمهيدية له، وفي الفترة 1997- 2000 بدأ التحضير للمشروع من قبل ائتلاف شركات دولية متعددة تخضع لتوجيه شركة سويسرية مختصة بالإنشاءات الهيدروليكية.
عند اكتمال هذا السد سنواجه عجزاً مائياً كبيراً في دجلة وبهذا سينخفض معدل إيرادات المياه إلى العراق من عمود نهر دجلة بمقدار (11) مليار متر مكعب ، أن خفض مناسيب مياه نهر دجلة الداخلة إلى العراق من 20,93 مليار متر مكعب في السنة إلى 9,7 مليار مكعب في السنة يشكل ما نسبته 47% من الاحتياج السنوي للنهر، مما سيجعل العراق يخسر جراء ذلك 40% من أراضيه الصالحة للزراعة والتي تقدر مساحتها بـ 696 ألف هكتار.
سيؤثر السد على الأهوار العراقية بشكل كبير وستتحول الى حطام بيئي وستصبح جزءاً من الصحراء كما ستغرق مدن وقرى تركية عديدة لعل أكثرها أهمية مدينة حسنكييف.
بعد قرار محمكة شورى الدولة التركية ينبغي تظافر جهود العامليين في مجال البيئة والأراضي الرطبة والموارد المائية على التعاون مع المنظمات الدولية ذات العلاقة لأيقاف المشروع أو تغيير التصاميم بما لايضر بحصة العراق العادلة من مياة دجلة.كما ينبغي التهيئة لمؤتمرات وطنية ودولية تصب في هذا الأتجاه.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق